مقابلات ومقالات

يا قضاة لبنان اعتكفوا

لو كنتُ قاضياً لاعتكفتُ مع القضاةِ المعتكفين ،
ولو سئلتُ لماذا تعتكِف لأجبتُ بوضوحٍ انّ الاعتكافَ يهدفُ الى بناءِ دولة القانون لا أكثر ولا أقل.
ولو سُئلتُ كيفَ يمكن بناء دولةَ القانون بمخالفة القانون أي بالاعتكاف لأجبتُ ان الاعتكافَ يجعل السلطةَ السياسية ترفعُ يدَها غير المشروعة عن القضاةِ الذين اولاهم الدستور السلطة الثالثة لكي يمارسوها بصورة مستقلة .
ولو سئلتُ أنّ ما تطالب به منصوص عليه في الدستور لاجبت ان ممارسة هذه السلطة يجب ان تتبعها قوانين تعزز سلطة القضاة واستقلاليتهم والسلطة السياسية تتهرب من اصدار م هذه القوانين خوفا من استقلالية القضاة.
ان القاضي المستقل المحمي قانونا، من انياب السلطة السياسية، يستطيع ان يعمل من احكام القانون امرا ملزما للجميع فلا تهرب ضرائبي ولا سرقة أموال عامة ولا تعدي على الأملاك العامة بحرية كانت ام مشاعات ولا تلزيمات تجري لمنافع السياسيين ولا توظيفات لموظفين لايعملون ولا مثلها قبل الانتخابات ولا سمسرات في الكهرباء وفي الفيول اويل ولا احتكار في توزيع المغانم بين المتسلطين على السلطة ولا ارهاق لخزينة الدولة باية وسيلة ولا تلزيمات عشوائية مرهقة ولا كسارات او مرامل من دون ترخيص فالقاضي المستقل هو ضمير المجتمع وحاميه وهو الدولة بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
والقضاة المعتكفون يطالبون ، كما قرأت في بيان اعتكاف ناديهم "باطلاق يدهم للشروع في استرداد الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد " فالسلطة السياسية تتطلع الى ترويض القضاة وجعلهم تابعين لها خوفا من اطلاق يدهم في مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة .
ان معركة القضاة ليست كما يحاول البعض تصويرها بان غايتها المحافظة على بعض التقديمات المادية وانما الى إعادة سلطة دولة القانون . فمن حق القاضي العيش بكرامة وهذا امر لا يرهق الدولة ولا حتى المواطنين بل على العكس فهو يعمل لاحقاق العدل وعليه ان يستمر طوال حياته المهنية في تطوير قدراته العلمية ومواكبة التطور التكنولوجي والاجتماعي والثقافي وهو جهد ذاتي لا يلقى أي مقابل عنه .
كما لا خوف على القضاة المستقلين من ان ينظفوا صفوفهم من ضعفاء النفوس اذ انهم سيكونون اكثر تشددا مع زملائهم ممن اساء منهم الى قسمه .
لو رفعت السلطة السياسية يدها عن القضاء لما كان رزح وطننا تحت وطأة الدين ولما خضع أيضا لاملاءات خارجية مقابل تسليفه ولم يكن بحاجة أيضا الى تخفيض رواتب قضاة وعسكريين و موظفين الذين بالكاد يكفي راتبهم من اجل العيش بكرامة.
أيها القضاة الشرفاء، اعتكفوا واستمروا في اعتكافكم فوحدكم تصنعون للبنانيين املا في بناء دولة تخضع لاحكام القانون وتكافح الفساد وتعيد الأموال المسلوبة منها على مرّ السنوات.
المحامي رمزي هيكل

الى دولة القانون دُرّ

نحن المحامين، وكأنه لا يعنينا. ان تتبع سلوك رجال السياسة في لبنان في السنوات الاخيرة ينبئ بلا ريب تعمدهم بلا كلل لتقويض استقلالية السلطة القضائية و"كسر" شوكة القضاة، لا سيما لجهة اقرار قوانين تتعلق بهذه السلطة ودون حتى الرجوع اليها، وكل ذلك يدخل في اطار ضرب دولة القانون لا بل القضاء عليها.
ان مسار تقويض السلطة القضائية ليس حديث العهد، ولم يبدأ مع ما شهدناه مؤخرا لجهة اقدام السلطة السياسية على التهجم على القضاء واعتباره مكسر عصا من جهة ثم اقتطاع بعض مصادر تمويل صندوق تعاضد القضاة وتخفيض مساعدة الدولة السنوية لهذا الصندوق، وكلنا يعلم الواقعة التي حدثت في العام 2017 اثناء انعقاد جلسة تشريعية لمجلس النواب، بان تم سحب مشروع قانون يقضي بتعديل المادة 5 من قانون القضاء العدلي التي تنص على اعطاء مجلس القضاء الاعلى الكلمة الفصل في اقرار المناقلات القضائية دون توقيع وزير العدل. وهذا الامر فيما لو تمّ، كان من شأنه ان يحرر السلطة القضائية من تحكم السلطة التنفيذية ومن وزير العدل التابع بدوره لها، ويؤدي بطبيعة الحال الى استقلالية السلطة القضائية عبر اطلاق يد مجلس القضاء الاعلى في اجراء التشكيلات القضائية بحرية واستقلالية تامة، وايضا نشر المرسوم.
فالمطلوب هو اعادة اقرار المادة 5 المعدلة المذكورة بحيث تتمتع السلطة القضائية باستقلالية تامة في عملها، فلا يمكن وعلى ضؤ ما يشهده البلد من تفشي لظاهرة الفساد، قبول تدخل اي شخص – ومهما علا شأنه- في عمل السلطة القضائية وفي تشكيلاتها ومناقلاته، وفي اختيار رؤساهم ايضا، ومن باب اولى عدم المس بمكتسباتها التي تحققت على مر هذه السنوات، وبدلا من ذلك العمل على تعزيز وتحسين ادائها من خلال تحسين ظروف عملها في قصور العدل، وجميعنا يعلم الاهمال الفاضح وغير المبرر الذي تعاني منها قصور العدل في لبنان وعدم مبادرة الدولة بصورة جدية وفعالة لمعالجة هذا الوضع المذري. ان قصور العدل يجب ان تلقى الاهتمام الذي تلقاه مقرات السلطتين التنفيذية والتشريعية، من حيث الانفاق عليها وصيانتها (...)
ان محاربة الفساد في ادارات الدولة، وهو الشعار الذي ترفعه كل حكومة في بيانها الوزاري، لا يمكن ان يتحقق بعيدا عن اعادة اقرار التعديل الوارد في المادة 5 من قانون القضاء العدلي المذكورة، وهذا الامر من شأنه ان "ينقي" السلطة القضائية من داخلها، وابعاد القاضي الفاسد والمرتهن لرجال السياسة والمنفذ لأوامرها، اذ انهم اي القضاة هم ادرى بمشاكل بيتهم الداخلي ويستطيعون اختيار القاضي المناسب لتسلم الموقع ولاستمراره فيه بعيدا عن المحسوبيات وحسابات السلطة السياسة في التعيينات.
ان اقرار السلطة القضائية المستقلة هو الذي يبني دولة القانون، ويشكل الضمانة لمكافحة الفساد واحقاق الحق، وجذب الاستثمارات.
ومن مظاهر سلوك السلطة السياسية لتقويض السلطة القضائية ايضا، هو تعمدها ادخال الفساد اليها وترسيخه، وقد نجحت في ذلك الى حد بعيد.
فمن خلال ممارستي العملية اليومية كمحام لاكثر من أربعين سنة، اتيح لي المجال لمعرفة الخلل والاسباب الحقيقية التي اودت بنا الى الوضع المذري الذي وصلنا اليه. فعلى سبيل المثال ليس الا، ان مجرد شيوع خبر نية السلطة التنفيذية باجراء تعيينات قضائية في مواقع عليا، هنا تبدأ "الفاجعة" حيث يصبح الساسة مقصدا و"حجا" من قبل عدد لا بأس به من القضاة الطامحين لتولي احد هذه المراكز، والغريب في الامر ان هذه التعيينات اصبحت في السنوات الاخيرة تتم بتزكية من السلطات الدينية ايضا. وبالنتيجة يكون الاختيار في هذه الحالة ليس على اساس الكفاءة والجدارة ونظافة الكف، وانما استنادا الى معيار التبعية للمرجع السياسي الذي عيّن القاضي في منصبه، ويمكنكم تصور تبعات هكذا تعيين على استقلالية القاضي المعين وعلى صوابية وقانونية قراراته التي تتأثر في الغالب بتعليمات من هذه المرجعية. ومن النادر ان يعمد هذا القاضي الى رفض الاملاءات عليه، والا سيلقى مصير قاضي آخر جرت معاقبته وابعاده لمجرد انه "سار عكس التيار"، وهؤلاء القضاة الذين نحترمهم اصبحوا معروفين للجميع. هذا في حين انه لو كانت السلطة القضائية المستقلة هي من تضع المناقلات، فانني متأكد ان هذا التعيين كان سيتم وفق احكام القانون ومع الاخذ بعين لاعتبار مسيرة القاضي في السلك، وتدرجه، وامور اخرى ينص عليها القانون.
فلو اقرت استقلالية القضاء، وهذا امر اكثر اهمية من الاحتفال بيوبيل المئة سنة لمحكمة التمييز، يمكن ان نصدق ان السلطة السياسية، ودون تمييز او استثناء لاحد، جدية ببناء دولة القانون وبتحقيق استقلال القضاء، ولا يكفي مجرد شعارات خاوية وقد ثبت من خلال الممارسات والمشاهدات اليومية جنوح هذه السلطة الى خلاف ذلك تماما.
ان المطلوب من هذا العهد، وما يمثله، وخوفا من سقوطه او فشله، ان يعمد اولا وقبل اي شيء آخر الى انجاز ما يلي:

العمل بكل جدية والقيام بالاجراءات الجدية لتحقيق احترام السلطة التنفيذية والتشريعية لموقع السلطة القضائية.
عدم تجاهل رأي السلطة القضائية بمشاريع القوانين التي تتعلق بها. اقرار التعديل الخاص بالمادة 5 من قانون التنظيم القضائي كما كان مقرر في العام 2017.
انتخاب أعضاء مجلس القضاء الأعلى من القضاة انفسهم.
تأمين الاماكن اللائقة بالقضاة ولوازم العمل ومكننة قصور العدل واجراء الصيانة لها.
انشاء نظام قضائي حديث ومتطور بكل ما للكلمة من معنى يكون مقصدا لرجال الاعمال والمتنازعين والاحتكام امامه في نزاعاتهم.
. اعادة هيكلة المؤسسات العامة، ومنها وزارة العدل والمحاكم، وان نأخذ العبرة من دولة الامارات العربية المتحدة مثالا حيث انها استطاعت وبفضل خبرات اجنبية ومنهم قضاة لبنانيين من ان تنتقل بقطاع العدل فيها الى مراتب متقدمة وكان ذلك سببا رئيسيا لازدهار قطاع الاعمال وضمانة للمستثمرين.
الى ساسة لبنان نقول، اطلقوا حرية القضاء واستقلاليته، وهذا كفيل بمكافحة الفساد وبانتشال البلد من ازمته المالية والاقتصادية التي تسببتم انتم فيها. ان استقلالية السلطة القضائية هي الاساس للاصلاح ولنهوض البلد وهي كفيلة بإعادة الأموال العامة المسلوبة.
الى نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس نقول ادعموا القضاة الشرفاء في اعتكافهم فان ما يطالبوا به هو لضمان اعمال العدالة غير المسيّسة وهو يرمي للمحافظة على الديموقراطية والحرية والعدالة ، وهي في صلب مهنة المحاماة ولا تصغوا الى الوعود لانهم جزء من هذه السلطة السياسية التي تريد القضاء على القضاة الشرفاء واسكات أصواتهم، وضرب مشروعهم الناهض للوطن من افلاسه.
الى زملائي المحامين، الذين يعانون من نتائج تعطيل المحاكم بسبب اعتكاف القضاة الشرفاء، أقول لهم انضموا اليهم لا تخافوا فنحن المحامين مناضلون ، مكافحون، لأننا بقضاء مستقل نحافظ على حقوق موكلينا ودونه نستمر نتباكى ونشتكي من احكام مسيّسة او غير علمية ونستمر في المعاناة من تصرف السياسيين وتأثيرهم على القضاة.
والى قضاة لبنان نقول، ان التغيير يجب ان يكون قرار نابع من ذاتكم، وقد تعلمنا ان الاستقلال لا يمنح وانما ينتزع بالقوة، فلا تراهنوا على السلطة السياسية ان تعطيكم ما دأبت منذ سنوات على حرمانكم منه، وخوفا منكم ، يجب ان يكون قرار التعيين قرارا نابعا من ذاتكم، وان تلفظوا اوامر السلطة السياسية. فانتم النخبة في البلد وانتم من يجب ان تُتبعوا وليس العكس، وان تكونوا قدوة للشعب وشعلة التغيير.
المحامي رمزي هيكل

الى الشرفاء الكثر من قضاة لبنان،

القانون وقد اعتبرت "ان القاضي المستقل المحمي قانوناً، من انياب السلطة السياسيّة، يستطيع أن يعمل من احكام القانون أمرا ملزماً للجميع".
فلا تهرّب ضرائبي، ولا سرقة أموال عامّة، ولا تعدي على الأملاك العامّة بحريّة كانت أم مشاعات، ولا تلزيمات تجري لمنافع السياسيّين، ولا توظيفات لموظّفين لايعملون، ولا مثلها قبل الانتخابات، ولا سمسرات في الكهرباء وفي الفيول اويل، ولا احتكار في توزيع المغانم بين المتسلّطين على السلطة، ولا ارهاق لخزينة الدولة بأيّة وسيلة، ولا تلزيمات عشوائيّة مرهقة، ولا كسّارات أو مرامل من دون ترخيص، فالقاضي المستقلّ هو ضمير المجتمع وحاميه والقضاة المعتكفون آنذاك طالبوا، كما قرأت في بيان اعتكاف ناديهم "باطلاق يدهم للشروع في استرداد الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد". فالسلطة السياسيّة تتطلّع الى ترويض القضاة وجعلهم تابعين لها خوفاً من اطلاق يدهم في مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة. للأسف ما طمحتم اليه لم يتحقق حيث نجحت السلطة السياسيّة مجدداً من ترويض البعض منكم واصبحوا ينفذون مآربها وأوامرها بصورة عمياء، نتج عن ذلك وصول الوطن الى أدنى مدارك الانحطاط والذلّ والفساد والفوضى على كافة الأصعدة، وآخرها ما نشهده حاضراً من أوضاع معيشيّة مذلّة حتّى أنه طالكم بحياتكم اليوميّة فأضحيتم مثل هذا الشعب المقهور مغلوب على أمركم، حتّى أنكم لم تتمكّنوا من طرد المفسدين من صفوفكم، الأمر الذي أصاب السلطة القضائية، وهنا بعد أن ضاقت السبل وخروج الوضع عن التحمّل أنبرت نقابة المحامين في بيروت فحملت الراية عنكم وعن المواطنين ومدّت يدها لكم لتنضمّوا لها من أجل متابعة هذا النضال لبناء دولة القانون، الّا أنكم انكفأتم عنها دون عذر، لا بل اعتبرتم أن ما تقوم به النقابة هو موجّه ضدّكم في حين أن نقيبها كان واضحاً، وفي أكثر من مرّة وصف ما نشكو منه جميعاً بينما كنتم أنتم السبّاقون في ذلك. يا قضاة لبنان، الشرفاء منكم، أنتم كثر،
لا تخافوا من انتفاضة نقابة المحامين المحقّة وانضموا اليها وهي التي ارتأت ان تأخذ الشعلة الحارقة من أيديكم وتكون رأس الحربة في المواجهة، فحملت همومكم وهمومها وهموم أبناء الوطن لاستعادة الدولة المنهارة ولقيامة الوطن الذي لا يبنى الّا بقضاء مستقلّ وشجاع امثالكم،
لا تخافوا من قول الحقيقة واعمال القانون، فالقانون ليس وجهة نظر فهو يهدف الى الوصول الى العدالة.
لا تخافوا من الدولة البوليسيّة التي تغتصب صلاحيّاتكم،
لا تخافوا من طرد كل فاسد من بين صفوفكم،
لا تخافوا، اوقفوا كل من خالف القانون واستولى على اموال المودعين، او مدّ يده على الاموال العامة،
لا تخافوا من كشف كل الحقائق في جريمة العصر - جريمة المرفأ - لتثبّتوا لشعبنا وللعالم انكم لا تتأثروا ولا تخافوا من أحد خاصة وأن مكتب الادّعاء في نقابة المحامين، الجنود غير المجهولين يقفون الى جانبكم لكشف كلّ الفاعلين والمتورطين مهما علا شأنهم وحتى خارج الحدود.
انتفضوا ايضاً مع نقابة المحامين لنستردّ الوطن ولنبني دولة مؤتمنة على اعمال القانون والعدالة معاً.
المحامي رمزي هيكل